8.02.2010

أن تصبح كاتبا

        بمقدور أي إنسان أن يصير صاحب كلمة، يَجرؤ علي الإمساك بقلمه، يجرب مناوشة الورق، يفضُّ عذرية الصفحات البيضاء منه، يســود وينمــق فراغــات وثقوب تحتــــاج أن تُــمـــلأ.

بمقدوره أن يفعل ذلك، أن يملك الشجاعة التي تمنحه لقب كاتب، ساعتها ستصير العلاقة بينه وبين قلمه أكثر حميمية ودفئا واتساقا، يستمد منه العون علي إنزال الأفكار من رأسه علي سلم طائرة الإبداع بأمان وسلام، ساعتها تصير الكلمات متوهجة كرغيف ساخن خارج في توِّه من أتون مستعر.
أن تصبح كاتبا، حساسيتك تجاه الأشياء تكون أكثر فاعلية، تنفعل لحادث صغير، كان لا يعنيك قبل ذلك، مواقف كانت تمر دون انتباه حاد منك، سوف لن تتفلت منك اللحيظات، ستصيرأشد وقعا، ربما تبكي لخريف يذهب بأوراق الشجر بعيدا عن أغصانها، ذلك العُري التام للأشجار، فرار العصافير منها، ابتعاد المستظلين عنها، توقعها لحجر يدفعه صبي؛ طلبا للثمر، صبية تسلقوها في جرأة، ناموا تحت ظلها بعد كد يوم من اللهو.
ربما يقفّ شعر جسدك لو رأيت عجوزا رث الملبس ذا لحية شعثة، وقوامٍ متهالكٍ، ووجه عبرت أخاديد الأيام علي تضاريسه بقسوة، تتأمله، لن ترثي لحاله فقط، بل يسكنك منظره، ولا تغيب عنك صورته، مشيته الوئيدة في شارع يأكله الزمن، تربت علي الحجر، تحنو علي الزوايا، تقبل كل شبر، يستهويك نقش حجري قديم يدل علي انتصار صانعه علي الزمن، تلثم جدار مسجد عتيق، منمنمات، زخارف، ونقوش تدل علي عبقرية صانعها، سموق مآذن لمساجد عتيقة، رائحة الزمن تعبق من خلالها.
أن تصبح كاتبا يعني أن تسير وعينك مفتوحة علي الوجود، تري ما لا يراه العابرون، نظرات المواجهين لك، عيونهم المصوبة للأفق البعيد، رجل يناديك باسم لا يخصك، يخطئك، يظنك شبيه صديق له، نظرة اعتذار صامتة، الكلام هنا لا قيمة له، طفل تهل بسمته لمرآك وهو لا يعرفك، تحنو عليه بنظرة ساذجة، آذان تقتحم خلوتك، يهمها معرفة ما يختلج في رأسك قبل انسيابه علي الورق .
رقة من حاجتك عنده، ذوقه، دعاؤه لك ، وقسوة من يتنكر لك وهو خِلٌ وفي !! ، طالته أيادي عطفك يوما ما.
عمرك المندفع نحو النفاد، خوفك من فوت الأيام دون إراقة نقطة حبرعلي ورقك الأبيض.
موت صديق، قريب، كاتب كنت تحبه لم تلقه بل لقيت ما أبدعته أنامله .
مكتبتك وما تحويه من كتب، فرحك الطفولي بكتاب جديد اشتريته، فضك الصفحات بنهم، انحباس أنفاسك وأنت تقرأه، تمنيك أن تفقد ذاكرتك كي تقرأه بالمتعة البكر، أول قراءة لها مذاقها. رائحة الكتب القديمة، الحبر المعتق، سنوات عبرتها الكلمات حتي ترامت بين أحضان كفيك .
أشياؤك الثمينة، قنينة عطر أهدتها لك منْ تُحب، استعادتك ضحكتها الطفولية، الغمازتين اللتين دفعتك لكتابة أول قصيدة دسستها بين أصابع كفها، فرحك لهلّتها، قدومها، حضورها القوي في ذاكرتك، فرقك لغيابها كلما تذكرته .
أن تصبح كاتبا سيناديك الكون لأنك أحد أجناده، بأمرك يأتمر، وبنور حرفك يأتلق
ستناديك نخلة مطلة بسموقها من بعيد، أن تجلس تحتها، وتهز جزعها بتوهجك، لحظات دفقك الكتابية، ساعتها يساقط ثمرك حلوا جنيا.


أحمد جاد


20/7/2010