12.23.2010

تجلي لي (1)

ما إن مثل في مخيلتي حتي جري دمعي

تتحرك الصور في خيالي، تتقافز ، تتلاقي عند نقطة، أقف هناك، أعلو، ثمة نور يدفعني لأعلي، أتظلل بسدرة أوراقها من نور.

عطاء غير مجذوذ، منح، عطايا...

وأنادي من علٍ

{ ولا تقف ما ليس لك به علم}


8.02.2010

أن تصبح كاتبا

        بمقدور أي إنسان أن يصير صاحب كلمة، يَجرؤ علي الإمساك بقلمه، يجرب مناوشة الورق، يفضُّ عذرية الصفحات البيضاء منه، يســود وينمــق فراغــات وثقوب تحتــــاج أن تُــمـــلأ.

بمقدوره أن يفعل ذلك، أن يملك الشجاعة التي تمنحه لقب كاتب، ساعتها ستصير العلاقة بينه وبين قلمه أكثر حميمية ودفئا واتساقا، يستمد منه العون علي إنزال الأفكار من رأسه علي سلم طائرة الإبداع بأمان وسلام، ساعتها تصير الكلمات متوهجة كرغيف ساخن خارج في توِّه من أتون مستعر.
أن تصبح كاتبا، حساسيتك تجاه الأشياء تكون أكثر فاعلية، تنفعل لحادث صغير، كان لا يعنيك قبل ذلك، مواقف كانت تمر دون انتباه حاد منك، سوف لن تتفلت منك اللحيظات، ستصيرأشد وقعا، ربما تبكي لخريف يذهب بأوراق الشجر بعيدا عن أغصانها، ذلك العُري التام للأشجار، فرار العصافير منها، ابتعاد المستظلين عنها، توقعها لحجر يدفعه صبي؛ طلبا للثمر، صبية تسلقوها في جرأة، ناموا تحت ظلها بعد كد يوم من اللهو.
ربما يقفّ شعر جسدك لو رأيت عجوزا رث الملبس ذا لحية شعثة، وقوامٍ متهالكٍ، ووجه عبرت أخاديد الأيام علي تضاريسه بقسوة، تتأمله، لن ترثي لحاله فقط، بل يسكنك منظره، ولا تغيب عنك صورته، مشيته الوئيدة في شارع يأكله الزمن، تربت علي الحجر، تحنو علي الزوايا، تقبل كل شبر، يستهويك نقش حجري قديم يدل علي انتصار صانعه علي الزمن، تلثم جدار مسجد عتيق، منمنمات، زخارف، ونقوش تدل علي عبقرية صانعها، سموق مآذن لمساجد عتيقة، رائحة الزمن تعبق من خلالها.
أن تصبح كاتبا يعني أن تسير وعينك مفتوحة علي الوجود، تري ما لا يراه العابرون، نظرات المواجهين لك، عيونهم المصوبة للأفق البعيد، رجل يناديك باسم لا يخصك، يخطئك، يظنك شبيه صديق له، نظرة اعتذار صامتة، الكلام هنا لا قيمة له، طفل تهل بسمته لمرآك وهو لا يعرفك، تحنو عليه بنظرة ساذجة، آذان تقتحم خلوتك، يهمها معرفة ما يختلج في رأسك قبل انسيابه علي الورق .
رقة من حاجتك عنده، ذوقه، دعاؤه لك ، وقسوة من يتنكر لك وهو خِلٌ وفي !! ، طالته أيادي عطفك يوما ما.
عمرك المندفع نحو النفاد، خوفك من فوت الأيام دون إراقة نقطة حبرعلي ورقك الأبيض.
موت صديق، قريب، كاتب كنت تحبه لم تلقه بل لقيت ما أبدعته أنامله .
مكتبتك وما تحويه من كتب، فرحك الطفولي بكتاب جديد اشتريته، فضك الصفحات بنهم، انحباس أنفاسك وأنت تقرأه، تمنيك أن تفقد ذاكرتك كي تقرأه بالمتعة البكر، أول قراءة لها مذاقها. رائحة الكتب القديمة، الحبر المعتق، سنوات عبرتها الكلمات حتي ترامت بين أحضان كفيك .
أشياؤك الثمينة، قنينة عطر أهدتها لك منْ تُحب، استعادتك ضحكتها الطفولية، الغمازتين اللتين دفعتك لكتابة أول قصيدة دسستها بين أصابع كفها، فرحك لهلّتها، قدومها، حضورها القوي في ذاكرتك، فرقك لغيابها كلما تذكرته .
أن تصبح كاتبا سيناديك الكون لأنك أحد أجناده، بأمرك يأتمر، وبنور حرفك يأتلق
ستناديك نخلة مطلة بسموقها من بعيد، أن تجلس تحتها، وتهز جزعها بتوهجك، لحظات دفقك الكتابية، ساعتها يساقط ثمرك حلوا جنيا.


أحمد جاد


20/7/2010





3.13.2010

حانت لحظة البوح .... قصة قصيرة

بالكاد كنت تصل إلي ذلِك الشارع حيث تسكن،لم تكن المرة الأولي ، لكني أذكر ما كنت تردده دوما
(( لا تنطبع علي ذاكرتي الأماكن ، قلما أتذكر مكانا زرته لمرة أو مرتين ))
قادك قلبك إليه هذه المرة وعيناك تبصران طفلتها بعمرها الغض تلهو مع صويحباتها في ذلك الشارع ، طفرت \ قفزت الطفلة بمجرد رؤيتك ، تعلقت بكفك ، واصطحبتك إلي أعلي حيث تسكن العائلة ، صعدتما الدرج علي مهل كنت تخشي عليها درجات السلم الملتوية ، المتعرجة ، والتي لا تخطئها قدمان تمرستا عليها صعودا وهبوطا .
( لم تكن في اللقاء الأخير كعادتها لا تفارقها الابتسامة ، تُري أتظل طيور الفرح ترفرف دوما علي أفنان دوحتها ؟!)
ظننتَ ذلك !!
إطراقات الحزن كثيرة ، ومضات التفكير كثيفة ، شفتاها تفتر عن ضحكة باردة متكسرة حاولت أن تخبئ بها رتوش القلق ، فاتك إبداء إعجابك بالطفلة قاصدا الأم
الأم!! ؛ ولكن كيف تلد الفراشات ، حقا لم نرَ فراشة تلد قبل ذلك !
( كانت طفلتها قطعة سكر ، جرت المشيئة فسوتها ملاكا مثل أمها الحزينة)
ثمة أشياء كثيرة لا نفهمها في الحب .

تُري فرحت للقياك .. أم سرها تواجدك كضيف عليها أن تكرمه
يدك تمتد إليها ،يحتضن الكفان .. حاجبان كخيطين ضقيقين ، ضغطت َ .. عينان خضراوان .. ، ضغطت َ .. أنف كحبة لؤلؤ ، ذابت يدها في يدك.. فم قرمزي ، افترقا الكفان .. جسد ممتلئ بالرغبة .
وقتها أحسست بحرارة يدها تسري عبر جلد كفيكما المتلاصقين، اكتملت الصورة ذاهبة للأطار تسكنه .
تري أحست بك ، أم أن النساء لا يعبأن بمن يصغرهن ، كانت تكبرك بإعوام عدة وأنت تكبرُ قلبها بحب نزق ، أكانت تنظر إليك علي أنك صغير رغم خشونة الصوت ،وانتشار الشعر في الوجه.
لم تكن المرأة الأولي كانت النساء قبلها صورا تسكن إطار القلب ثم تزمع الرحيل تاركة الإطار خاويا.
- عليك أن تعود لنراك
حسبك ما قالت
وهل تقصد ؟
نعم تقصد .. بل لا تقصد ، بالطبع لا يعنيها ، بل يعنيك أنت
ذابت كلماتك في تلعثمات اللسان خجلا واعدا بالمجيء مرة أخري .
كان كل شئ يحضك علي البوح , كنت ممتلأ بحب ربيعي لأمرأة تزحف إلي خريفها الغض
بدت عليك أمارات الحب ، صففت شعرك جيدا ، اخترت ربطة عنق أنيقة ، عدت في الموعد المحدد ، كبرت قليلا .. ذاب حزنها .. أينعت علي ثغرها ابتسامة رقيقة .. وثب قلبك جزلا
الآن تعود كما كانت .. جمعت شتات نفسك ..رتبت فوضي مشاعرك
، بدوت كعاشق مترهل أثقل لسانه الوجد ، حانت لحظة البوح
تقول بكل زهو الحب .............
قاطعتك قائلة :
- لم َ لم تبارك لي ؟
- خيرا ، علي ماذا ؟
- سيأتي طليقي اليوم ليردني إلي بيتنا .
تهرب من الإطار صورة ٌ سكنته ، بعثت في قرارة القلب جذوة الحب المعطل ، ها هي الآن ترحل
.

أحمد جاد 11\2\2010

2.26.2010

هيروبولس ... قصة مدينة ( قراءة في رواية هيروبولس للأديب محمد التهامي)



عبر مئة عام مرت علي مدينة هيروبولس ينقلنا محمد التهامي خلالها واصفا أفراحها وأتراحها ، شموخها و انكسارها يصفها عندما كانت مبانيها واطئة ورؤوس أهلها في السماء ، وعندما تسامق الحجر لتنحني هامات البشر .
إنها المدينة الحلم ، وطن الغرباء والشهداء ،مئة عام وهي عصية علي الانحناء ، أحبها الكاتب فكان من القلائل الذين كتبوا عنها وذاب شوقا في غرامها .
رحلة المئة عام في تاريخ مدينة سها عنها المؤرخون وأغفلها الشعراء وتناسها الكُتاب
كانت السويس في رواية ( تهامي ) هي البطلة ، الجميع يأتي ويرحل وهي سامقة ، راسخة رسوخ الجبال الشُم .
تسحر الغريب ويشتاق إليها البعيد ، حسنُها مترامي الأطراف ... المدينة العجوز.. المرفأ الدافئ .. حِضن الأم الرؤوم ...
لم تكن هيروبولس مدينة فحسب بل كانت امرأة تحمل غيرة الأنثي ، شبقها ، طفولتها ، حبها المجنون ، تهب قلبها لفارسها وتصعر خدها لمن تسقطه رنة الذهب ولمعة الألماس وبريق الفضة
قصة المئة عام تُختصر في قصة عائلة عزيز الفتي المغرم ببلاد الجن والملائكة (فرنسا)
تجبره وفاة والده علي العودة إلي هيروبولس وبعودته تُنسج خيوط الحكاية وتبدأ الرحلة ؛رحلة العلو والهبوط ، يتزوج ابنة خاله ( فاطمة) إرضاءً لخاله ، يعمل في شركة هيئة القناة ، يُقسم وقته بين عمله وجلوسه في لوكاندة بلير وزوجته ربيبة الجن والعفاريت التي تصنع لزوجها الأعمال والأحجبة كي يفك سحره ويشفي زوجها الملموس!
يفاجئنا الكاتب بإحدي المصادفات القدرية التي تنحو بالرواية منحي لم يكن القارئ يتوقعه
تعود ( كريستين ) – حبه الباريسي القديم – مع زوجها ( ميشيل ) الذي سوف يعمل مديرا للشركة التي يعمل فيها عزيز ، أسقط في يده عندما علم بمقدم كريستين لكن تظهر شهامة ورجولة عزيز فيعاملها وزوجها معاملة حسنة ويحسن ضيافتهما .. رويدا .. رويدا تندمج كريستين وتعشق هيروبولس ، وتمضي الرواية مستعرضة الأحداث التي مرت علي مصر ؛ مرورا بمعاهدة 1936 ، ونجم الوفد في سعود ، إلي أن يأفل النجم الوفدي بقيام ثورة 1952 ثم العدوان الثلاثي 1956 وركز الكاتب علي فترة ما بين الحربين 67، 73 مرحلة الانكسار في حزيران والعودة والشموخ في حرب تشرين
يفرد الكاتب لتلك الفترة العديد من الصفحات ؛ وإن كانت تلك الفترة تحتاج لرواية كاملة تحكي بسالة السويس وطنا وشعبا
في تلك الفترة يموت عزيز كان موته مبررا في الرواية فقد نجح الكاتب في اختيار التوقيت
عزيز الذي شهد انتصارات هيروبولس ، لم يعهدها حانية رأسها ، مطأطأة لعدوها
أهانه رجال أمن الدولة واتهموه بالخيانة لمكالمة أجراها مع موسي – اليهودي – ابن صديقه ( سمحون) تاجر الذهب وصديق يزيد- ابنه –
وكان لاتهامه بالجاسوسية أثر ٌ عميق في نفسه
{كيف أكون جاسوسا وابني في المقاومة وحفيدي في الجيش }، وفي حفرة صنعتها قذائف العدو
تردَّي عزيز فيها فكانت الطريق إلي حفرة أبعد غورا ، لم يتحمل عزيز الصدمتين فارقت روحه جسده وكلمات التسبيح والتحميد كانت آخر ما قاله ، انتهي دور عزيز وغاب عن هيروبولس قبل أن ترفع رأسها شامخة .
يأتي السادات خلفا لناصر وتدق الساعة الثانية ظهرا يوم السادس من أكتوبر 1973 ، ترفع هيروبولس رأسها ، تروي بدماء الشهداء ، وتصير المدينة الحلم عروسا من جديد
ثم تأتي أمواج الانفتاح والحداثة وتتعالي الأرصدة في البنوك وتنحني الرؤوس مرة أخري
وهيروبولس قائمة يتنكر لها جيل عبثت برأسه العولمة ، جيل معلقة عيونه بالأقمار الصناعية ، يكبر الأبناء وتنتشر موجات التغريب وتشرئب الأعناق وتهفو لبلاد النفط ويهجر الأوطان َ أهلُها.
ينهي الكاتب روايته بمنظر الغربان تنعب في سماء هيروبولس، ربما يحمل ذلك تشاؤما لدي البعض بينما الكثيرون لا يلتفتون إليه .
الآن لم تعد هيروبولس كما كانت منذ مئة عام ، غادرت البلابل وحلت محلها الغربان، مات عزيز وكريستين ومات معهما الحب .
يترك الكاتب القارئ في حيرة وتساؤل ، هل إذا عاد العدو مرة أخري سيصده أهل هيربولس الجدد كما فعل آباؤهم؟ ، هل لا زالت أعناقهم عصية علي الانحناء؟
وسؤال ربما يدور في ذهن بعض القرَّاء ( في مئة وخمسين صفحة تُروي قصة مئة عام من تاريخ مدينة عريقة مثل هيروبولس ، ألم يكن من المقدور أن تطول صفحات الرواية أكثر من ذلك لتتناول ملحمة المدينة ، أم أن كاتبنا أشفق علي قرَّائه من التطويل والإسهاب ، وأن يصيبهم الملل والفتور ؟
الإجابة نتركها لمحمد التهامي ربما يجيب عنها في عمل آخر جميل عن هيروبولس الجميلة.