8.22.2011

إِنَّ الشَّجَي يَبْعَثُ الشَّجَي


لا أدري متي بدأ السعي؟ الخُطي الأولي، الانتقال من الكون الذاتي وولوج عالم آخر مغاير له قوانينه   ونواميسه التي تجري بخلاف ما يوجد في قدس أقداسنا، لم أستطع أن أسير مغمض العقل بعد أن انتابني إحساس بوجودي الحقيقي، كنت قبلها لا أدري سر الانتقال، التجاوز الذي يمنح فرصة جديدة دوما لاستنبات الحياة وولادتها من جديد، لم أدرك أن متعة الحياة في تقافز أيامها لا في رسوّها في حال واحد، حتي وإن لم يسرنا تبدل أحوالها، وتغير أطوارها.
منذ تخطي مرحلة الحبو إلي الخطو وامتداد يد العبث إلي الأشياء انداحت نقطة سوداء لتملأ وجه الصفحة مُقلصة مساحة البياض إلي فقاقيع صغيرة عمرها قصير جدا.
أنسحب إلي نفسي فأجدني في عراك دائم معها كلانا يزاحم الآخر، أيهما أحق بالوجود، أيهما أحق بالخروج ومواجهة الحياة، أخرج من المعركة مع ذاتي مثخنا بالجراح، ممتلئا بتجارب تمد لي خيوط الأمل بغد أفضل وبقلم طيّع ويد غير متيبسة أو عاجزة. في وجداني اعتقاد راسخ بأن الكتابة هبة إلهية يهبها الله لعباده المتوضئين بنور الكلمات، وفي اعتقادي أيضا أنني ممن يبطل وضوؤهم؛ لتعجلهم؛ فكثيرا ما أخطأني ذلك النور، أنفصل عن ذاتي لأواجه ذواتا أخري، حيوات تتحرك أمامي، شخوصا لم ألقهم في واقعي، أحداثا أرتني تفاهة الحياة، زادها إلغازا حرص من يتكالبون عليها، كل ذلك بُني في نفسي يوم أن ولجت عالم الأدب، كنت أصرخ دوما لولا النور- نور الكلمات -  لاخْتُصِرَت رحلةُ الحياة.
في البداية كان الشعر قرينا عندي بالسحر والسحرة، حقا إن الشعراء سحرة، ألا يجعلك شاعرٌ تردد بيتا من قصيدة له دائما وكأنها تعويذة ضد الشر، من يعرف السر فله حق الملاحاة!، الشعر هو أحد الفنون التي يمكن لها أن تهزك دون أن تفهمها، أذكر أني ظللت مفتونا ببيت لامرئ القيس كنت أردده ولا أفهم مغزاه كان وراءه قصة لم أعلمها، لم أدرِ سر محنة الشاعر عندما قال:
بكي صاحبي لما رأي الدرب دونــه         وأدرك أنــــَّـا لاحقان بقيصرا.
في طفولتنا لاندرك أن هناك أيدٍ لها سطوتها تحركنا من فوق، تجري الكلمات علي أفواهنا، ننطلق في الجري في أكثر الشوارع ازدحاما دون أدني رعشة خجل من نظرات المارين من حولنا، أظن أن قوي خفية- بعد ذلك- تجعلنا أكثر تقيدا، مكبلين بما تفحُّه هذه القوي من نفثات تعوقنا عن السير. تبدو الأيام مكلسة ندفعها ببطء ولا يكاد يبين تحركها، ومع اشتداد العود تدفعنا فتنطلق أقدامنا من أثر الدفعات المتتالية ويسقط من لايحتمل قوة الدفع.
كانت وقدة الحماس في أوجها، ننطلق بكل ما نملك من نهم لنجيب عن الأسئلة المُلحة، الإجابة نجدها بين الصفحات، ربما لايتحقق وجودها في عالم الواقع ومن يُقلب أكثر يعرف أكثر، لكنّ الحياة قصيرة والأسئلة لاتتوقف، نحتاج لحيوات أخري نضيفها لحياتنا كي نفهم، ونفض الاستغلاق الذي يؤرقنا.
أيُّ عبثٍ سوف تبدو الحياة لو لم يحاول الإنسان استكناه الوجود، المحاولة ترياق لسموم تنفثها الحياة بآلة الملل وتشابه أوراق الأيام.
توحدت كثيرا مع رويات وأعمال قرأتها حد الإحساس بالعمي وأنا أقرأ رواية العمي لساراماجو، تحول كل ماحولي إلي كون بلون الحليب، وفي رواية الحرافيش شعرت أني واحدا من حرافيش نجيب محفوظ وكرهت الفتوات، تعاطفت كثيرا مع عائشة بطلة رواية " يوم غائم في البر الغربي" للمنسي قنديل، وتمنيت صحبة الطبيب في رواية ثقوب في الثوب الاسود لإحسان عبد القدوس، وحيرتني معاناة الماتيس، وكنت في السجن مع ( ألكسندر بتروفتش ) في رائعة ديستويفسكي ذكريات من منزل الأموات، وفي ثلاثية محفوظ كنت أعيش في بيت السيد أحمد عبد الجواد لأري جبروته الممزوج بالرقة والعطف.
لم أكن أحب المسرح، لكن بعد ولوجي عالم توفيق الحكيم تورطت في حبه، بعد قراءات متعددة لأهل الكهف والورطة وبيجماليون وغيرها، ورغم الحب الجارف إلا أني وقفت علي عتبة شكسبير محاولا إجتيازها.
ما زلت أحاول، ومازلت أتعلم الكتابة يوما بعد يوم، فيا من منحوني ابتسامة مشرقة كصباح وليد، هل تسمعون أنّاتِ القلم وهو ينتحب وقت تجافينا؟ هل جربتم ذلك الاصطراع بعيدا عن الورق والقلم؟!
أحمد جاد الكريم
" الصورة هي لوحة للفنان النرويجي إدفارد مونك بعنوان الصرخة.

8.01.2011

شهر رمضان ..........أوراق قديمة

الورقة الأولي
في ركنٍ قصي من الذاكرة ترقد تلك اللحظات، تبدو نائية، بعيدة بُعد السنوات الفاصلة بين الطفولة والشباب، بين الغياب وحضور الوعي وإدراك مدي قسوة الأيام وتتابعها.
باهتةٌ تبدو التفاصيل الصغيرة، حضورها خافت كخيوطِ شمسٍ غاربةٍ تنسلُّ من قبضة النهار متسربة من بين أصابعه، ودون شعور ترحل مخلفة طيفا يوهم بوجودها ويؤكد اختفاءها الحتمي.
تفاصيل أخري لها تجلٍ وحضورٌ قويان يقاومان طوفان النسيان الزاحف بكل غشاوته علي سنوات النشأة والتكوّن، البراءة الخالية من أصباغ واقعٍ مرير الوطأة، العقلُ المُشْرَعُ لكل ضَوء ينيره، لاحُجُبَ كي تمنع نفاذه، ولا أستار تقبض أحضانها علي خيوط النور.
القلبُ شاغرٌ من الهموم، لاتنعقد في أروقته الأكدارُ ولا يقربه قلق عفيٌّ يمزق نياطه، ويدمعُ أعينا تنغلق لاستقبال أحلام سحرية قادمة من عالم خلقه خيال جموح يرفرف بين ندفات السحاب ونقط النجوم اللامعة في سماء صافية، مفعمة بهدوء وسكون يطلقان عنان الأحلام السكري.
ومضة تبرق عبر غيوم الماضي، الشمس تحبو نحو الاستتار في خيوط الليل، رماديةُ ما قبل المغيب تفرش الكون وتحيله إلي أطياف غامضة، محببة إلي نفوس الأطفال، طالما ينتظرونها قبل الغروب وأثناء الشروق، لحظات فارقة بين ليل قادم أو راحل وصباح يتفتح، ونهار يغمض جفونه، وتذبل زهراته، ويعم السكون في الكون. من تلك اللحظات ما يُضن به في خزائن الذكريات، تحركه أصوات بعينها، من موضع ركوده يتحرك، ومن استتاره ينبت، وصوب سماء إشراقه يعلو.  
 الورقة الأولي محددة بذلك الصوت، مؤطرة بزمان تجليه، سريانه في دروب العمر الملتوية؛ ذلك هو صوت الشيخ محمد رفعت الذي يأتي مشوشا عبر راديو قديم، إلي أي السنوات يمتّ؟ ربما إلي أوائل الثمانينات من القرن الماضي، قبل مجيئي إلي الدنيا ببضع سنين، يعلو الصوت ثم يغيب ويعاود الوضوح مرة أخري، صوت الشيخ رفعت يردٌّ السامع إلي أزمنة بعيدة، زمان نزول الوحي علي الرسول الكريم، يجرك الصوت إلي الماضي، يدفعك لاجترار الذكريات، موجاتٌ تصطحب ذلك الصوت، من الماضي ينبعث، ويبعث معه كوامنا طالما ظلت في سراديب الخفاء، يرسل الصوت إشارتين، يستحضر زمانين مختلفين، اصطبغا بتلك الموجات، ما إن يجري متماوجا حتي تتلقفه الأذن، أول تلك الأوقات: الساعة السابعة من صباح كل يوم حيث تَبث إذاعة القرآن الكريم نصف ساعة للشيخ رفعت، ثاني الأوقات وهو أَوْلاهُمَا بالقُربي، أَشْمَلْهُمَا بالمَودة، أَكثرهما اصطخابا في عمق الذاكرة، أَحَبُّهُمَا إلي القلوب، تلك أُويقات ما قبل الإفطار في شهر رمضان.
فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً  فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً
الشوقُ لجرعةِ ماءٍ تطفئ الظمأ، قلقُ الأحشاء من شدة الجوع، دقائقٌ باقيةٌ علي الإفطار، العينان مقلبتان في السقف، والأذن ترهف السمع لصوت القرآن
وهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً
 تصمت الأصوات، ويلجئ الانتظارُ الأفواهَ إلي السكوت.
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا
ينطلق الأذان، وتلهج الألسنة بالدعاء.
أحمد جاد
1 رمضان 1432
1 أغسطس 2011
الورقة الثانية
مثيرات للشجن، موجات فرح ممزوج بألم خفيف تحلق في سماء القلب، لا يمكن استحضارها إلا عن طريق الخيال الشحيح.
هنا القاهرة........ هذا هو صوت جلال معوض وهذه هي إذاعة البرنامج العام إنها حقا ذكريات لا تنسي، تختزنها الذاكرة، تأتي طيعة، منسابة من سماعة الراديو.
في الورقة الثانية أكمل حديثا بدأته عن الإذاعة ذلك العشق القديم الذي استبد بي قبل غزو الآلات المستهلكة للروح والجسد معا؛ الأطباق التي تعلو أسطح المنازل جالبة مئات القنوات الفضائية، الأسلاك الموصلة للانترنت، ذلك الزخم الذي يؤطر حياتنا ويأكل من أعمارنا وينأي بنا بعيدا عما يحقق لنا الصفاء والهدوء والسلام مع النفس.
لإذاعة البرنامج العام مذاق استثنائي خاصة في ليالي رمضان، في سنوات الطفولة كان الشهر الكريم يأتي في فصل الشتاء حيث يطول الليل ويُلتمس الدفء عبر ذبذبات الراديو التي لاتهدأ، وتمتد سهرات الإذاعة ساعات طوال، أذكر أول تعلق لي بالراديو كان ذلك قبل التحاقي بالمدرسة الابتدائية؛ راديو صغير لونه( بنيّ) أهداه لنا عمي لما قدم من إحدي دول الخليج، وصار تعلقي به شديدا حَدّ اصطحابه في كل مكان أذهب إليه، كان له حقيبة تحمل ذات اللون، بلاستيكية، بها ثقوب عند موضع السماعة تسمح بخروج الصوت، للحقيبة حزام يمتد منها ليعلق في الكتف، ببطاريات صغيرة الحجم يعمل الراديو، لا أذكر ما كنت أستمع إليه في تلك الفترة، الأصوات تنأي مع امتداد السنوات التي تفصلنا عن وقت سماعها، لايمكن استعادتها واستحضارها بسهولة كذلك الروائح، أما الاماكن فتظل راسخة تؤكد حضورها مع هبوب الذكري والتماع أطياف تشبهها كشخص يغيب ثم تراه في وجوه أناس يذكرونك به وإن لم يكونوا يشبهونه، أُنتزع مني هذه الجهاز الأثير لديّ وامتدت حسراتي علي رحيله عني وتوحدي بعيدا عنه.
التعلق الثاني بالإذاعة كان في أواخر العام الثامن والتسعين وتسعمائة وألف، تحديدا كنت في الصف الثالث الإعدادي، هو نفسه راديو الثمانينات الذي جري ذكره في ورقتي الأولي، مضبوط علي إذاعة البرنامج العام، الوقت ليل والبرد قاس،علي منضدة أستذكر دروسي وهناك في مكان قريب مني يسمح ليدي كي تمتد لتعدل المؤشر فلا يغيب الصوت ويتداخل مع محطات أخري
من البرامج التي علقت في الذاكرة برنامج المسحراتي أجدني أتذكر الساعة الثانية إلا الثلث صباحا بعد انتهاء نشرة الأخبار ينطلق صوت جلال معوض (من كلمات فؤاد حداد لحن وأداء سيد مكاوي تستمعون إلي          المسحراتي )                                                                                                 
النقرات المتتالية علي الطبلة ثم يأتي صوت سيد مكاوي                                                       
اصحى يا نايم
وحد الدايم
وقول نويت
بكره ان حييت
الشهر صايم
والفجر قايم
اصحى يا نايم
وحد الرزاق
رمضان كريم


المشى طاب لى  
و الدق على طبلى
ناس كانوا قبلى
قالوا فى الأمثال :
"الرجل تدب مطرح ما تحب"
و انا صنعتى مسحراتى فى البلد جوال
حبيت و دبيت كما العاشق ليالى طوال
و كل شبر و حته من بلدى
حته من كبدى
حته من موال


برنامج آخر اسمه (( أولو العزم من الرسل)) يَعرض قصة نبي من أولي العزم في شكل درامي ما زالت الحلقات محفورة في الذاكرة لا تغادرها لحن المقدمة والنهاية ،أيضا أغنية محمد ثروت.
برنامج ( عصر من الغناء مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم) يذيع أغنية لأم كلثوم يوميا، والحديث عن أم كلثوم يحتاج مني إفراد ورقة مستقلة قد تكون ورقتي التالية.
أما ألف ليلة وليلة ذلك العالم السحري الذي  تخلقه موسيقي المقدمة وصوت الفنانة زوزو نبيل أدرك وقتها أنني حقا في شهر رمضان الإحساس نفسه أجده عند سماع صوت الشيخ رفعت وصوت المسحراتي ونقرات الطبلة.
أعتقد أن برامجًا رمضانية أخري تسربت من الذاكرة عبر تلك السنوات الفاصلة التي استطاعت أن تمحو وتثبت ما تشاء، لكن هذا الراديو ( راديو الثمانينات) أصابه عطب  فصار لايعمل وبعد محاولات فاشلة لإصلاحه صار أخرسا لا ينطق، ثم اختفي من المنزل ولا أدري أين ذهب؟ ثمة أجهزة أخري اشتريتها طوتها عباءة الاختفاء منها راديو علي هيئة الهاتف اللاسلكي اشتريته في الصف الثاني الثانوي، أيضا مع بدايات دخولي الجامعة كان في حقيبتي- لا يغادرها- راديو صغير بحجم كف اليد، جميع هذه الأجهزة صارت إلي الفناء بعد سنوات عدة كانت هي الرفيق الملازم في الحِل والترحال، حتي أصبح اليوم لا يوجد في منزلنا جهاز راديو لكني حرصت عند شرائي للهاتف المحمول أن يكون مزودا بجهاز ترانزستور بغضِّ النظر عن أي مَزِيّةٍ أخري وجدت أم عُدمت، المهم أن يكون به راديو أستطيع أن استمع له في أي وقت وفي أي 23مكان.
وإلي لقاء مع ورقة أخري
10/رمضان/ 1432
10/ أغسطس/ 2011

7.25.2011

امتحان الطاعة بالعشق

وقد زعم بعض المتصوفين أن الله جل ثناؤه ما امتحن الناس بالهوى إلا ليأخذوا أنفسهم بطاعة من يهوونه وليشق عليهم سخطه ويسرهم رضاؤه فيستدلّ بذلك على قدر طاعة الله عزوجلّ إذ كان لا مثل له ولا نظير وهو خالقهم غير محتاج إليهم ورازقهم مبتدئاً غير ممتن عليهم فإن أوجبوا على أنفسهم طاعة من سواه كان هو تعالى أحرى بأن يتبع رضاه.

ابن داوود الأصبهاني





6.25.2011

"بالأمْس حَلمْت بك" رؤية سوداء لعالم أشبه ببياض الثلج.

يقول هاملت عن الممثل الذي يبكي علي مأساة بطلته:
 من تكون له ومن يكون لها حتي يبكي عليها؟
هذه العبارة يذكرها بهاء طاهر في القصة الأولي في المجموعة ( بالأمس حلمت بك)

ما الذي يجعلنا نبكي علي من لانعرفهم، ما الداعي كي نذرف عبرات إثرهم، لكن رد البطل كان(( أكثر حقيقية من الناس الحقيقيين))

ربما نحزن علي أناس لا يمتون إلينا بصلة في الحياة، يصير البكاء عليهم أكثر صدقا من البكاء علي أناس حقيقيين.

هذه هي الفلسفة التي تقوم عليها قصص المجموعة؛ التعاطف مع أشخاص افتراضيين صنعهم خيال الكاتب؛ هم أكثر استحقاقا ممن يدبّون علي الأرض من حولنا.

"عم خليل" في قصة "نصيحة من شاب عاقل" يشتغل بالشحاذة كي يجمع ثمن الأفيون، نهاية الرجل الدرامية تحت عجلات السيارة وهو يكثر الإلحاح علي "عادل" كي يعطيه نقودا مدعيا أنه في حاجة لها ولأولاده، الفاقة والنهاية المنغمسة بالذل والمهانة لهذا الرجل تنفي المقولة الشكسبيرية لهاملت وتجعلنا نؤكد أننا سنبكي عليه بكاء حقيقيا قد يفوق البكاء علي أبطال الحياة الحقيقيين.

ومما يفتح نوافذ الحيرة في عقل القارئ الانكسار النفسي الذي يصيب أبطال القصص الأربعة ، بداية بقصة " بالأمس حلمت بك"؛ فالبطل أو الراوي تقابله شقراء في محطة الأوتوبيس وتشيح بوجهها عن، ثم يقرأ في كتابٍ عن الصوفية (( إن الروح تغادر الجسد في بعض الأحيان وتقوم ببعض الجولات))

يفكر في قراءة صفحة أو صفحتين ليعرف كيف تتجول الروح؟ وماذا تفعل؟ لكن يعدل عن الفكرة ويقرر إرسال الكتاب إلي صديقه ( كمال)
< يمكن أن ينبت  بستان في صدرك>
فالحل والخلاص من ربقة ظلام الروح في هذا الكتاب .
تنشب الحيرة في صدر كمال ؛ < فالثلج يغمر روحه> ، إنه تعيس جدا يتسائل< أليس عمل البنوك نوعا من الربا؟>
الثلج يغمر الشوراع ويغطي أرواح أبطال القصة الذين يتراقصون  في ذهولهم الدائم وحيرتهم.
يقول ( كمال):
< المشكلة في داخلنا لكني لا أعرفها>
وبين فتحي والراوي \ البطل يبدي الحوار رمزية ملغزة.
يقول الراوي لفتحي < هذه الحياة تحيرني فأرجوك أن تعلمني شيئا>، قال كيف أعلمك وأنا لا أعلم ، يمنيه بعالم مثالي قادم رسمه خياله الصوفي تذهب له روحه وتحط في طمأنينة وسلام كحمامة بيضاء، راحة نفسية يبتغيها بعيدا عن برودة المدينة الأوربية وتجمد عواطف أهلها ،عوالم مادية تربطها علاقة واحدة هي المصلحة إذ المشاعر إسمنتية.
 < دع روحك تتفتح >
اختناق الروح  داخل جسد  تحيطه وجوه وابتسامات بلاستيكية تحس بحاجتها إلي الانطلاق والتفتح، كزهرة وحيدة في وسط أدغال تسكنها أفاعٍ وحيات.
قد يكون الخيال والرؤي الصوفية وما يخلقانه من هدوء نسبي للروح وصعود آمن لها في عذابات ممثلة في متطلبات الجسد الملحة
يوما ستكتشف أنت وسأكتشف أنا خلف هذه الصحراء تلك الأزهار  الموعودة التي لاحد لجمالها >
الصراع في ديمومة لا ينتهي ولا ينفك يؤرق الإنسان أينما ذهب
< كيف أفهم هذه الدنيا>
الجواب في قول ( فتحي)  < لقد ألغيت إرادتي وسلمتها لصاحب الأمر.>
أحمد جاد
23 رجب 1432
25 يونيو 2011

12.23.2010

تجلي لي (1)

ما إن مثل في مخيلتي حتي جري دمعي

تتحرك الصور في خيالي، تتقافز ، تتلاقي عند نقطة، أقف هناك، أعلو، ثمة نور يدفعني لأعلي، أتظلل بسدرة أوراقها من نور.

عطاء غير مجذوذ، منح، عطايا...

وأنادي من علٍ

{ ولا تقف ما ليس لك به علم}